يحاول النظام المستبد أن يقنعنا بأن:
- الظلم والافتراء والفساد والفشل الذي نعيشه حاجات طبيعية وعادية ولابد أن نرضي بها ونتعايش معها.
- إنه لا سبيل لتغيير هذا النظام ولا قدرة علي إزاحة مسئوليه عن الحكم؛ فإنهم قضاء وقدر.
والمتأمل حوله يظن فعلاً أن النظام نجح أو أوشك أن ينجح تمامًا في إقناع الناس بالتسليم أو اليأس أو التأييس، لكن المفكر العظيم عبدالرحمن الكواكبي في كتابه الرائع (طبائع الاستبداد) قدم لنا منذ مائة عام تقريبًا طريق التغيير الجذري العميق الناجح فقد قال الرجل:
(الوسيلة الوحيدة الفعَّالة لقطع دابر الاستبداد هي ترقِّي الأمَّة في الإدراك والإحساس، وهذا لا يتأتي إلا بالتعليم والتحميس. ثمَّ إنَّ اقتناع الفكر (الرأي) العام وإذعانه إلي غير مألوفه، لا يتأتَّي إلا في زمنٍ طويل، لأنَّ العوام (الجماهير وجموع الشعب) مهما ترقُّوا في الإدراك لا يسمحون باستبدال القشعريرة بالعافية إلا بعد التروي المديد، وربما كانوا معذورين في عدم الوثوق والمسارعة؛ لأنَّهم ألِفوا ألا يتوقعوا من الرؤساء والدُّعاة إلا الغش والخداع غالباً، ثمَّ إنَّ الاستبداد محفوفٌ بأنواع القوات التي فيها قوة الإرهاب بالعظمة وقوة الجُند، لا سيما إذا كان الجند غريب الجنس، وقوة المال، وقوة الألفة علي القسوة، وقوة رجال الدين، وقوة أهل الثروات، وقوة الأنصار من الأجانب، فهذه القوات تجعل الاستبداد كالسيف لا يُقابَل بعصا الفكر (الرأي) العام، فمن طبع الفكر (الرأي) العام أنَّه إذا فار في سنة يغور في سنة، وإذا فار في يوم يغور في يوم. بناءً عليه؛ يلزم لمقاومة تلك القوات الهائلة مقابلتها بما يفعله الثبات والعناد المصحوبان بالحزم والإقدام).
إذن الكواكبي يطرح أن التنوير هو بداية وشرط التغيير، وأن نشر الوعي بين الناس هو مقدمة مقاومة الاستبداد، لكن الكواكبي إذ يرمي بهذه المسئولية علي العقلاء المفكرين فإنه أيضًا يشرح لنا متي يثور الناس علي المستبد، ولاحظ أن الكواكبي كتب هذا الكتاب في مصر وربما واضح جدًا أنه عن مصر، يقول الكواكبي:
العوام لا يثور غضبهم علي المستبدِّ غالباً إلا عقب أحوال مخصوصة مهيِّجة فورية، منها:
1- عقب مشهد دموي مؤلم يوقعه المستبدُّ علي المظلوم يريد الانتقام لناموسه.
2- عقب حرب يخرج منها المستبدُّ مغلوباً، ولا يتمكَّن من إلصاق عار التغلُّب بخيانة القوَّاد.
3- عقب تظاهر المستبدِّ بإهانة الدين إهانةً مصحوبةً باستهزاء يستلزم حدَّة العوام.
4- عقب تضييق شديد عام مقاضاةً لمالٍ كثير لا يتيسَّر إعطاؤه حتي علي أواسط الناس. (فرض ضرائب شديدة وعديدة مثلاً).
5- في حالة مجاعة أو مصيبة عامة لا يري الناس فيها مواساةً ظاهرة من المستبد. (نقص مياه النيل أو اختفاء الخبز مثلاً).
6- عقب عمل للمستبد يستفزُّ الغضب الفوري، كتعرُّضه لناموس العرض،(فضائح أخلاقية أو إصدار قوانين لا تتسق مع قيم العوام).
7- عقب حادث تضييق يوجب تظاهر قسم كبير من النساء في الاستجارة والاستنصار. (الاعتداء العلني علي النساء مما يدفع هؤلاء النسوة للاستغاثة وتحريك نخوة الرجال لمواجهة انتهاك الظالمين).
8- عقب ظهور موالاة شديدة من المستبدِّ لمن تعتبره الأمَّة عدواً لشرفها. (تحالف فاضح مع إسرائيل).
إلي غير ذلك من الأمور المماثلة لهذه الأحوال التي عندها يموج الناس في الشوارع والساحات، وتملأ أصواتهم الفضاء، وترتفع فتبلغ عنان السماء، ينادون: الحق الحق، الانتصار للحق، الموت أو بلوغ الحق.
هذه الأسباب الثمانية التي اعتقد الكواكبي أنها كفيلة بتحريك العوام (الجماهير). وممكن أن أضيف سببًا تاسعًا وهو احتراف أبو تريكة في الجزائر
__أبراهيم عيسى
مقال فى جريده الدستور
- الظلم والافتراء والفساد والفشل الذي نعيشه حاجات طبيعية وعادية ولابد أن نرضي بها ونتعايش معها.
- إنه لا سبيل لتغيير هذا النظام ولا قدرة علي إزاحة مسئوليه عن الحكم؛ فإنهم قضاء وقدر.
والمتأمل حوله يظن فعلاً أن النظام نجح أو أوشك أن ينجح تمامًا في إقناع الناس بالتسليم أو اليأس أو التأييس، لكن المفكر العظيم عبدالرحمن الكواكبي في كتابه الرائع (طبائع الاستبداد) قدم لنا منذ مائة عام تقريبًا طريق التغيير الجذري العميق الناجح فقد قال الرجل:
(الوسيلة الوحيدة الفعَّالة لقطع دابر الاستبداد هي ترقِّي الأمَّة في الإدراك والإحساس، وهذا لا يتأتي إلا بالتعليم والتحميس. ثمَّ إنَّ اقتناع الفكر (الرأي) العام وإذعانه إلي غير مألوفه، لا يتأتَّي إلا في زمنٍ طويل، لأنَّ العوام (الجماهير وجموع الشعب) مهما ترقُّوا في الإدراك لا يسمحون باستبدال القشعريرة بالعافية إلا بعد التروي المديد، وربما كانوا معذورين في عدم الوثوق والمسارعة؛ لأنَّهم ألِفوا ألا يتوقعوا من الرؤساء والدُّعاة إلا الغش والخداع غالباً، ثمَّ إنَّ الاستبداد محفوفٌ بأنواع القوات التي فيها قوة الإرهاب بالعظمة وقوة الجُند، لا سيما إذا كان الجند غريب الجنس، وقوة المال، وقوة الألفة علي القسوة، وقوة رجال الدين، وقوة أهل الثروات، وقوة الأنصار من الأجانب، فهذه القوات تجعل الاستبداد كالسيف لا يُقابَل بعصا الفكر (الرأي) العام، فمن طبع الفكر (الرأي) العام أنَّه إذا فار في سنة يغور في سنة، وإذا فار في يوم يغور في يوم. بناءً عليه؛ يلزم لمقاومة تلك القوات الهائلة مقابلتها بما يفعله الثبات والعناد المصحوبان بالحزم والإقدام).
إذن الكواكبي يطرح أن التنوير هو بداية وشرط التغيير، وأن نشر الوعي بين الناس هو مقدمة مقاومة الاستبداد، لكن الكواكبي إذ يرمي بهذه المسئولية علي العقلاء المفكرين فإنه أيضًا يشرح لنا متي يثور الناس علي المستبد، ولاحظ أن الكواكبي كتب هذا الكتاب في مصر وربما واضح جدًا أنه عن مصر، يقول الكواكبي:
العوام لا يثور غضبهم علي المستبدِّ غالباً إلا عقب أحوال مخصوصة مهيِّجة فورية، منها:
1- عقب مشهد دموي مؤلم يوقعه المستبدُّ علي المظلوم يريد الانتقام لناموسه.
2- عقب حرب يخرج منها المستبدُّ مغلوباً، ولا يتمكَّن من إلصاق عار التغلُّب بخيانة القوَّاد.
3- عقب تظاهر المستبدِّ بإهانة الدين إهانةً مصحوبةً باستهزاء يستلزم حدَّة العوام.
4- عقب تضييق شديد عام مقاضاةً لمالٍ كثير لا يتيسَّر إعطاؤه حتي علي أواسط الناس. (فرض ضرائب شديدة وعديدة مثلاً).
5- في حالة مجاعة أو مصيبة عامة لا يري الناس فيها مواساةً ظاهرة من المستبد. (نقص مياه النيل أو اختفاء الخبز مثلاً).
6- عقب عمل للمستبد يستفزُّ الغضب الفوري، كتعرُّضه لناموس العرض،(فضائح أخلاقية أو إصدار قوانين لا تتسق مع قيم العوام).
7- عقب حادث تضييق يوجب تظاهر قسم كبير من النساء في الاستجارة والاستنصار. (الاعتداء العلني علي النساء مما يدفع هؤلاء النسوة للاستغاثة وتحريك نخوة الرجال لمواجهة انتهاك الظالمين).
8- عقب ظهور موالاة شديدة من المستبدِّ لمن تعتبره الأمَّة عدواً لشرفها. (تحالف فاضح مع إسرائيل).
إلي غير ذلك من الأمور المماثلة لهذه الأحوال التي عندها يموج الناس في الشوارع والساحات، وتملأ أصواتهم الفضاء، وترتفع فتبلغ عنان السماء، ينادون: الحق الحق، الانتصار للحق، الموت أو بلوغ الحق.
هذه الأسباب الثمانية التي اعتقد الكواكبي أنها كفيلة بتحريك العوام (الجماهير). وممكن أن أضيف سببًا تاسعًا وهو احتراف أبو تريكة في الجزائر
__أبراهيم عيسى
مقال فى جريده الدستور
No comments:
Post a Comment